ذكرى كابوس بقلم المبدعة ✒️ أية العزيزي

 لازلت أغرق عيوني ببحور الأسى ما أن يطرق ببالي ما حصل تلك الليلة الليلاء .. 

و كيف أنعم بذرات السلام و لازلت أتأوه لمرارة الذكرى .. 

كان الظلام شديد يتجاوز فقع العيون فأسمعه يطرق طبلة أذني .. 

استيقظت و أظن أن الساعة جاوزت الواحدة ليلا و أصابني أرق فظيع .. 

كانت تساورني مشاعر مختلطة و يتناهى لسمعي دبيب النمل و حتى دوران الأرض حول نفسها بل و ان لم يكن ضربا من الجنون لاعتقدت أن السماء تحدثت .. 

لازلت المشاعر الغريبة تسيطر على فؤادي و تطرق ناقوس الخطر بعقلي فيهب الآخر في شتات يترنح .. 

لمحت بصيصا ترائى لي من زجاج النافذة خلت بداية أنني أتوهم الا أن النور عاد و انني لأسمع صوت أقدام يقترب .. 

كنت أتصبب عرقا و أكاد ألامس دقات قلبي المتاتلية في عنف ..

انتصبت واقفة .. انني و أبي فقط في المنزل و ان أيقظته الآن سيفزع .. 

خامرتني الشكوك و ساورت قلبي و قد اختفى الضجيج و خلت أنني كنت واهمة .. الى أن سمعت بل و شعرت بها الآن أيضا ، ضربات عنيفة على باب منزلنا ..

امتلكني الهلع و رحت أهرع الغرفة جيئة و ذهابا

ثم سرت خارجها و التقت عيوني نظرات أبي المستفهمة بدورها و زجرتني في ذات الحين و هببت الى غرفتي و قد تركت الباب نصف مفتوح .. 

لم تكف الضربات المتتالية و خيّل لي أن الباب اقتلع .. 

أقدم والدي بيد ترتعش و أدار مقبض الباب و هالني ما رأيت ،

 مجموعة من الجنود او الحرس او الأمن لم أستطع التميز ملثمون شاهرين البنادق بوجه أبي الذي تسمر بدوره مشدوها .. 

لم أكد أستوعب ما يحصل ..

أرخى أحدهم باصبعه بطرقة مبهمة فجذب أحدهم والدي و طرحه أرضا .. و بين صرخات العجوز تلقفت كلمات من بعضهم " ارهابيون ! " 

" تهديد للأمن القومي .. " لم أقوى على الصمود اكثر و تكاد رجلي تخوناني أو ربما سبق و فعلتا فافترشت الأرض و سال الدمع من عيوني في شدوه غريب .. كنت أراه يتلقى اللكمة تلو الأخرى و الركلة تليها الأخرى و أنا لازلت ملقاة لا يكاد الجدار يسعفني لأنحني مستندة عليها ..

استيقظت من ذهولي بعد صرخة دوت لها أرجاء المنزل فكيف بكياني .. !؟ 

لا أعلم أين لي بتلك القوة و أنا أهرول حاضنة رأس أبي بين ذراعيّ و لازالت العصي تنهشني و تنال مني عندما امتثلت كالجدار .. كنت فزعة بشكل رهيب ألوك في فاهي كلمة واحدة " أبي .. " لم أكن يوما بتلك القوة لأتصلب أمام هول ما أرى فكيف و أنا أنال جزءا مما أنظر .. !؟

كانت السيول الحمراء تتدفق بغزارة تملأ او تغطي بالكامل وجه عجوزي و أنا لازلت أصرخ و أصرخ و لا أذكر أنني فعلت شيئا عدا الصراخ .. 

تنحنح أحدهم ينتشل مسدسا من جيبه و قال بعدما ملّ ابعادي عنه و أنا أتمسك بكل ما أوتيت بقوة و بكل ما مُنحت به يوما من غريزة الدفاع عمن أحب .. وجّهه نحوي .. صمت مفاجئ يجوب الأرجاء عدى أسناني التي تصطك في وجل و دقات قلبي تتقلص حتى خيّل لي انني متّ من الخوف .. 

استمت بأبي رغما عن تهديداته المتواصل بالابتعاد ..بينما لم أكف بعد عن الصراخ و أنا أضم بقوة أكثر رأس أبي الذي غرق بالدم كأنني أخفيه ، أحميه كأنني أغمض عيناه كي لا يرى فظاعة ما أرى لكنه كان غائبا عن الوعي أو ربما .. لا لا يمكن أن يحدث ذلك جننت عند ذاك الخاطر و ازدادت نوبات صراخي ربما خشوا هم الآخرون الجلبة التي أحدثتها فرأيته يعيد سلاحه و يرمقني بعينين ملؤها الشرر كأنه يهدد كأنه يعد بمصير حتمي سنلقاه أغمضت عيوني بعدها أحاول عدم تصديق ما كنت أرى .. أحاول بعثرة هذه الصور العالقة بذهني بعيدا .. 

ذات الخطوات التي اخترقت الأرض شعرت بها تبتعد لكنني لم أكف بعد عن الصراخ و لم أفتح عيوني أخشى أن يكون ما حدث قد حدث فعلا و ليس أحد كوابيسي المزعجة .. 

أسلمت أمري أخيرا فتحتهما ببطىء لأرى صغيري الكبير طريح الأرض و الكدمات تملئ ما ظهر من وجهه الغارق بالدماء قضيت تلك الليلة أحاول ايقاظه .. 

لازلت أحاول .. و لازال ذاك الكابوس يراود منامي غير آبه بما يحدث من شرخ عظيم بنفسي و لا زالت أنا .. أصرخ باستماتة و أرى بقع الدم تلون يديّ ... 

بقلم ✒️


آية عزيزي 

* تونس

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جحيم الزنزانة سبعة بقلم ✒️ المبدعة طالح هديل

سيرة ذاتية منتهى ابراهيم عطيات

حوار رفقة المبدعة 👑 شتيلة غفران