المقاعد في الحافلة بقلم المبدعة ✍️ سميرة الشابي
المقاعد في الحافلة
كان يوما عاديا كسائر أيام الأسبوع الرتيبة ،أمضيها بين الدراسة و الحديث مع الأصدقاء في الكلية،و أما حين أعود للبيت اسارع لأقبل أمي و لنتجاذب أطراف الحديث بيننا و نتحدث عن أمور كثيرة ،لاشيء يسرني اكثر من وجود عائلتي سندا لي و لكل احلامي و طموحاتي .
لطالما كانت تعجبني فكرة البقاء في البيت ،بين أربعة جدران و سقف ،كانت و لا تزال هذه الفكرة توحي لي بالأمان و تشعرني بالطمئنينة و تدخل على قلبي الفرحة،
أما اخوتي فهم حياتي رغم كل ما بيننا من مشاحانات و أخذ و رد.
كان الليل مرحلة الهدوء في حياتي علي نقيض النهار ،كانت فكرة ركوب الحافلة وحدها تشعرني بالدوار، و تنغص علي وجودي في الحياة.كل يوم ، كل يوم اخوض المعركة ذاتها و قلما كنت أخرج فائزة فيها بكرسي ،ههه نعم كرسي أو مقعد في الحافلة كان فوزا عظيما .
ليس عندي فقط، بل عند اغلبية الناس ،كان الجميع يتدافع للحصول عليه و يسرون أشد السرور للحصول على مقعد في الحافلة ،كان لكل شخص على متنها إستراتيجيته الخاصة في الحصول عليه، و أما أنا فكان الحظ هو استراتيجيتي الوحيدة لذلك، لا تستغربوا فهذه المعركة الطاحنة كان الخاسر فيها اكثر من الفائز، و كل فائز يخسر في اليوم الذي يليه لتنقلب الصورة يوميا.
كان الحصول على مقعد أشبه بالحصول على منصب، نعم ،منصب يخول لك النظر و الشعور بالأمان، فالكرسي يخرجك من معمعة الوقوف كما انه يخول لك النظر من زاوية ترقب فيها كل الأشياء و الشخصيات من حولك.
الحصول على كرسي يجعلك تضمن انك و بنسبة 90% لن تتعرض للسرقة مادمت جالسا و حقيبتك أمامك و هاتفك في مأمن ..ولكن أنا لطالما كان الأمر بالنسبة لي سيان بمقعد أو بدونه، واقفة كنت أو جالسة، كلاهما الشيء ذاته مادمت أخوض معركتي لوحدي فيها، بل ،وفي الأحيان القليلة التي كنت أحصل فيها على مقعد سرعان ما كنت أتخلئ عنه لغيري، و لكن أحيانا أخرى، كان ينتزع من بين يدي غصبا على حد قولهم :
" لا تزالين صغيرة ،فما الذي يتعبك ؟"
هذا القول في حد ذاته كان يزعجني اكثر من التخلي عن الكرسي، انهم يقيمون الناس من خلال كرسي في الحافلة، و ينعتون من يرفض التخلي عنه بأبشع الكلمات و أقبح العبارات.
كم كان من المحزن حقا أن نصل لهذا الوضع الدنيء،سحقا لهم ،و لكل من طاوعته نفسه أن يحكم على شخص دون أن يكون قد خالطه أو عرفه، لم يرحموا ضعفي في أحيان قلة، لم تخطر على بالهم أني إنسانة، أتألم و أتعب أيضا ، بل من قال لهم أن هكذا أمور محصورة في الكبار وحدهم ،حقا كم هي غريبة هذه الدنيا.
بقلم ✒️سميرة_الشابي
تونس
تعليقات
إرسال تعليق